تجاوز المحتوى

هل تشْعُر بالحُب؟

ماهي أول كلمة ظهرت لتُجيب على هذا السوال..
أي شخصٍ خطر في ذِهنك، وابتسمت لصُورته..
أم أنك شعرت بالحسْرة لأن هذا الشّخص لم يأت بعد..
أو لأنه رحل..!! 
ومازلت تبحث عمّن ينبضُ له قلبُك وكامل جوارِحك..
ولكن…مهْلا…
قلبُك غيرُ مسؤولٍ هنا..
إنه عقلُك الذي تورّط..وربّما ورّطك..!
فحين تُحب…
ستتحالف اثنا عشر منطقة في دماغك لِتقلب كيانك رأساً على عقِب..!
فبمجرد تفكيرك أو رؤيتك لشخص تُحبه، وخلال أقل من الثانية، تتدفق من هذه المناطق مواد كيميائية عصبيّة كالدوبامين والأوكسيتوسين والفازوبريسين والأدرينالين؛
لتشعر بالبهجة والنشوة..والحب…!
وكأنك تسبحُ فوق غيْمة..!
ومايحصُل في الدماغ بفعل الحُب…مشابه لما يحصل لِشخصٍ أخذ جرعةً صغيرةً من مادةٍ مخدِّرة..
وبالتالي..أنت…
لم تعُد أنت….
في حضرته..!

❣❣❣

فما هو الحُب؟
هذه الكلمة التي يتعلّق بها البشر؛ وقد يعْلَقون بحثاً عنها أو عمّن يستشعرونها معه..
كلٌّ حسب مفهومِه واحتياجاتِه التي (ربّما) لم يتم تلبيتُها في الصّغر..! 
فتجد كل شخصٍ يأتي ولديه مفهومه الخاص لكل عِلاقة..
وقد لا يعرف كيف…ولماذا تشكل هذا المفهوم..
لذا قد لا نتفق على المفهوم؛
لكنّنا متأكدون من احتياج جميع البشر للحُب؛ حتى وإن أنكر أحدهم ذلك…!
فالحصول على حب الوالدين…العائلة…الأبناء…الأصدقاء وحب الناس، هي ضمن مساعي الجميع…
وفي هذا النوع من العلاقات، يُمكن أن يستشعر أحدهم الحُب بما يدلّل عليه،
كالاهتمام والدعم والسؤال…
وهنا..قد لاتسمع طرفاً يقول للآخر “أحبُّك” 
وقد لا يتحدث أحد عن الحُب؛
لكنّك لا تجد متذمرا..!
ولأن بذرة الحُب الأولى تنشأ في الصِّغر، من خلال علاقة الطفل بوالديه وقدرتهم على تلبية احتياجاته؛
فإنها ترسم لاحقا خريطة تعاطي هذا الشخص مع الحُب في علاقاته…!

❣❣❣

وعلى الجانب الآخر… 
لو سألت أحدهم عن “الحُب”…
سيُشير مباشرةً لذلك الحُب العاطفي أو وجود علاقة رومانْسية مع حبيب/ـة
وسيؤكِّد وقوعه في الحُب أو عدمه..
فهل الحب فخٌ أو شرك…
تسقُط فيه دونما اختيار أو إرادة، بل وقد تفقِد معه أحد حواسك…!
ثم تصفُه لاحقاً…بالأعمى…!

❣❣❣

الحُب، كما هو متعارفٌ عليه، يعني دوماً وجود تلك العلاقة الحميمة مع شخص ما؛
والتي يُشعل فتيلَها اللّهفة والشوق وحضن الحبيب/ـة…
وهذه الشُّعلة في عُرف غالبنا، وربما دون وعيٍ منّا، هي محرك الحُب والدليل عليه…
ربما لأن قصص الحُب التي جاءت بهذا المفهوم حملت في غالبها المعاناة والحرمان؛
ليخرُج من رحِِمها فنٌّ يؤرخها عى هيئة شعرٍ أو قصصٍ يتداولُها الأجيال ليعززوا ويزرعوا هذا المفهوم السّطحي عن الحُب…
فتجد مقياس الحُب المبني على الشوق واللهفة وحرارة المشاعر في ذروته؛ عند بداية أي علاقة…
ولأن كيمياء الحُب لا تدوم في الغالب أكثر من سنة… 
حيث تبدأ تلك الغشاوة التى تشكّلت بفعل الحُب بالتلاشى،
فتهدأ ثورة المشاعِر ويعود كل طرفٍ لطبيعته…
ثم يشعر كلا الطرفين أو أحدهما بأن الحُب لم يعد موجوداً..!
وتبدأ المشاكل والنزاعات، فيضع كل طرفٍ الآخر تحت مجهر الحُب الذي بناه ووضع فيه اشتراطات لكل مايريدُه ويراه كـ “حُب”..
فتدور العلاقة في غالبها حول المعاناة… المرتبطة ذهنيًّا (في اللاواعي) بالحُب..
ويصبح لدى كل شخص عريضة طويلة من المتطلبات التي إن لم يحققها الطرف الآخر؛ ينتفي معنى الحب وتبدأ المشاكل ..
ويزداد الأمر سوءًا إن كان أحد الطرفين متعلِّقاً بالآخر…

“لَو كانَ قلْبي مَعي ما اختَرتُ غَيركُمُ
وَلا رَضيتُ سِواكُم في الهَوى بَدَلا
لَكِنَّهُ راغِبٌ في مَن يُعَذِّبُهُ
فَلَيسَ يَقبَلُ لا لَوماً وَلا عَذَلا”

-عنترة بن شداد-

❣❣❣

ويبقى السؤال…
ماهو الحب…؟
ذكر دون درابير (Don Draper) في مسلسله الشهير Mad Men أو رجال مجانين، مقولته الشهيرة تعليقا على الحُب.. “ماتسمونه حب، اخترعه أشخاص مثلي لبيع النايلون”!!
وربما تحمل هذه الجملة شيئا من الصحة؛ فكل شيء في عصرنا قابل للتسليع..
كيف اذا أمكن اللعب به على وتر المشاعر..!

❣❣❣

أمّا عالم النفس ستيرنبرغ (Sternberg) فقد عرّف “الحب الكامل” في نظريتة “مثلث الحب”، بذلك الحب الذي يحوي ثلاث جوانب.. وهي الألفة والشغف والالتزام…
وتعني “الألفة” استشعارك لتقارب وترابط مع شخص ما، فتشعر بالإهتمام بما يقوله ويفعله، وتود دوما مشاركته والتواصل معه..
وحين يوجد “الشغف” في العلاقة، تظهر مشاعر ورغبات تؤدي بك إلى الانجذاب الجسدي والعاطفي لذلك الشخص..
أما “الالتزام”، وهو عقلاني أكثر من الجانبين الآخرين، فهو يعني وجود مشاعر تدفعُك للبقاء مع شخص ما، والتقدم نحو أهدافكما المشتركة، ويشمل ذلك قرارك بالاستثمار في هذه العلاقة على المدى الطويل…

وقبل أن تبدأ في التفكير (فقط) بعلاقتك العاطفية؛ لابد أن تُدرك أن جميع علاقاتنا، أيا كان نوعها، تتضمن توليفة من هذه العناصر الثلاث، وتختلف درجة كل عنصر وعُمقه حسب نوع العلاقة، وربما عمر هذه العلاقة…

وهنا سأسألك…

ماهي الجوانب التي تحمِلها غالب علاقاتك؟

ماذا عن علاقاتك المقربة؟

وكيف هي أجْمل صداقاتك؟

إن كانت تحمل اثنين أو أكثر… فذلك “حُب”..

وكي يكون لديك علاقة رومانسية متكاملة، لابد من تواجد كل العناصر الثلاث…

فهل ستبدأ برؤية علاقاتك من خلال هذا المثلث…؟
وهل ستعمل على تعميق بعض الجوانب فيها لتحمِلها لمستوى أعلى من الحُب..؟

❣❣❣

الحب هو حالة من التناغم بينك وبين ذاتِك..
بينك وبين طرفٍ آخر..
في علاقة ما
مع شخص ما
مع شيء ما
مع الكونِ
وخالِقه…

❣❣❣

والآن…. هل تشعُر بالحُب..؟

❣❣❣

“مِن دُونِ الحُب..
كُلُّ المُوسيقَى ضَجِيج..
كُلُّ الرَّقْصِ جُنُون..
كُلُّ العِبادَات عِبْءْ”
– جلال الدين الرومي-

Published inUncategorized

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *