تراه لأوّلِ مرة؛
لكنَّ عقلك يبدأ بتحميلِ معلوماتِه، حسَب الصُّورة الذِّهنيه لديك عن أقرانه..!
وربما لا يجِد صورةً تُشبِهه،
لكنَّه مُختلف عنْك، وذلك كافٍ لِرفضِه…
مما يسْتحث عقْلَك لإظهار كل مايدْعم ذلك ويُبرِّره..
فتقوم بإقصائِه..!
ولكن…
ماذا لو…
ماذا لو نظرت إليه، ورأيت قلبَه…ولا شيء آخر..
يتلاشى هِندامه الذي قد لا يروقُك..
لون بشَِرته..
اسم عائِلته..قبيلته…
لهجته..عِرقه..
مُعتقده…وطائفتِه..
ولا يبقى غيرُِ قلبه الذي يُشبِه قلْبك…
وينبِض معَه وإن اختلفت سُرعة الإيقاع…
لِتراه كإنسان.. ولا شيء غير ذلك..
فتأْنس به، وبك يأْنس..
وقد تتعانق أفكارُكما، وربما تَتعارك..
لكن ذلك لن يُفسد للقلبِ قضِية…
فهي مجرد أفكار ورؤى.. تتغير وتتبدل كُلما أضاء مِصباح…!
♙♟♙♟♙
حينما قدِمت لكندا منذ عِدة سنوات؛ لم أشعر بِغربة الإنتماء، بالرغم من عدم وُجود أشخاص حولي يُشبهونني في ذلك الوقت، بلُغتهم..دينِهم أو عِرقهم…
لم أشعُر بأنّ عليّ أن أكون شخصاً آخر حتى أسْتطيع الإندماج مع هذه المجموعة الجديدة؛
ولحُسنِ حظي، وجدتُ أشخاصاً يُحبُّون اختلافك، ويروْن فيهِ لوناً جديدًا يُضيف لهم؛ ولبلدِهم القائِم على التَّعددية الثقافية…
رأيتُ كيف يُمكن لك أن تُحدِّث شخصاً مُختلفا عنك في كل شيء مُتعارف عليه، (بلد…عرق…ثقافة…هندام، أو معتقد)، حديث قلْب…
حتى إن كان لباسُه، بالنِّسبة لك، مُهلهلاً أو كان أشْعث الشَّعر؛ إلا أن عيْنيك لا تُجاوز عينيه، ولا ترى شيئًا سِوى قلبِه، وتلك الأفكار التي تخرج من رأسِه…
ولأني أتيت من ثقافة تقيًِّمك بناءا على كل ماسبق؛ تساءلت عما إذا كان ذلِك أحد أسباب بحثِنا عن المُختلف في الآخر وبالتَُّالي الحُكم عليه إما بالسَّلب أو الإيجاب…
بهدف إقصاءِه أو تقريبه، وربّما دون هدف سوى إرضاءِ شيءٍ لا نعرِف ماهيّته..!
فأنشأنا حدودا تفصِلُنا عن المُختلفين عنّا…
فهُنالك المتّفقون معنا تماماً، وأولئك المُختلفون والذين قد يُعارضُون فِكرةً أو معتقدًا نتبنّاه، مما يُحوِّلهم لأعداء..!
وهنالك الذين يُناسبون طبقتنا الحياتِيّه، وأولئِك الأقل منّا أو الأعلى…!
وهنالك الذين يحمِلون ذات المُعتقد، وأولئك الخارجين عنه…!
فنشأت قُطعان من جماعاتٍ لا يقبل أحدُها الآخر، ولو قمت بتكْبير عدستِك فوق إحداها؛ لوجدت قُطعانا أصغر في كل قطِيع…
هكذا غالبُنا، باختلاف طول القائمة..!
لدينا حُكم مسبق لكُلِّ شخصٍ وفِكرة، ونرى الآخرين من خِلال هذا الحُكم، فلا نسْمح لأنفسنا برؤيتِهم دون فلاتِر صنعناها، أو صُنعت لنا…!
فنخسر الكثير…لأنّا لم نسْمح لهُم بأن يكُونوا كما هُم، بل جعلناهُم كما نُريد بأحكامِنا المُسبقة…!
وتذكر بأن عقلك سيُعزِّز دوماً ماتُريد تصديقه، وسيسرِد لك كل مايؤَيد فِكرتك عن ذلك الشخص…!
♙♟♙♟♙
عاش البشر منذ ملايين السنين في مجموعات صغِيرة، قد لا تتعدى الواحِدة منها المائة والخمسين على الأكثر، لأنهم يأْنسون فقط لمن يعرِفونهم ويثقون بِهم…
ومع مَجيء الأديان، ازداد ذلك العَدد لأن الثِّقة امتدت لمن يُؤمِن بذات الدّين…
ومع وجود الدُول والقوانين التي تحكُم البشر، ازدادت المجموعات وتبايَنت، ليتعايش الجميعُ ويأْنسون باختلافاتهم…
لكن الواقِع ليس كذلك على أي حال…
ومع أن الأديان جميعُها بلا استثناء جاءت لنبذ العُنصرية ورفض الآخر، ودعت للسلام وتهْذيب الأخلاق وحُسن التَّعامل؛ والتّأكيد على أنَّ عِلاقتُك بخاِلقك ودينك هي شأنُك الخاص…
إلا أنه مازال لدينا تِلك الفرقةُ التِي تظن أنها “ناجية”، ومن خالفَها في النار..!
مازال لدينا من يتفاخر بأمور لم يكن له يد فيها، وآخر يتم نبذه وإشعارُه بالعار لأمور لم تكُن باختِياره..!
مازال لدينا من يُسقط على شرف المرأة بناءًا على ماترتديه..!
وكُلما غالبه رفضُه لما لا يألْف،
توشّح بالدين..!
♙♟♙♟♙
العنصرية والأحكام وإقصاء الآخر المختلف موجودة في غالب البشر على وجه هذه الأرض باختِلاف درجاتِها؛ وقد لايردَع بعضهُم سِوى وُجود قوانِين صارِمة تُجرِّم ذلك…
لكن القائمة لدينا تطول؛ وأحكامُنا المُسبقة حاضِرة على الدَّوام..!
فهل تساءلت…
ماذا لو رأيت هذا الشخص المختلف..كـ “إنسان”
دون تسْميات مُسبقة تُلصقها عليه، ثم تظن بأنك تراه..
وأنت في العُمق.. ربما ترى نفسك…!!!
فما الذي سَــ تراهُ حِينها…!
♙♟♙♟♙
كن أول من يعلق على المقالة